الرسوم المتحركة تسلية مقنعة بسموم السياسة
تحجب البراءة والعفوية التي تتسم بها بعض أفلام الرسوم المتحركة جوانب مظلمة، مما يراد توصيله للطفل، برزت بشكل خاص في الإعلام الغربي عن ...
https://ar.toonsmag.com/2015/07/86764564.html
تحجب البراءة والعفوية التي تتسم بها بعض أفلام الرسوم المتحركة جوانب مظلمة، مما
“متى تنتهي التسلية ومتى يبدأ التسميم السياسي”؟ هذا التساؤل طرحه سيباستيان روفات أستاذ التاريخ الفرنسي في كتاب “الرسوم المتحركة والبراكاندا”، مثيرا الإشكالية حول علاقة الرسوم المتحركة بالدعاية السياسية المغرضة.
وحول هذه القضية أجرى الباحث المغربي أمين صوصي علوي دراسة ميدانية حول “خصائص الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين في الصناعة السينمائية بأوربا، أفلام الرسوم المتحركة بفرنسا نموذجاً”.
وضع الباحث صورة الوحش المفترض في إطارها، وحاول عبرها الإجابة عن عدة أسئلة، منها: لماذا يصف الكثير من الأوربيين العربي المسلم، بعلي بابا، وينعتونه بالسارق والمتوحش والقذر، والشهواني، وغيرها من الصفات الذميمة؟
هذه الدعاية ليست جديدة عبر التاريخ، فمنذ عهد الرومان، كانت أهم أهداف الدعاية لديهم هو تصوير كل من هو خارج عن حضارتهم بالبربري، وقد واجه المسلمون هذه الإشكالية مع المستشرقين الذين أسسوا للصور النمطية المشوهة للمسلمين. يقول أدوارد سعيد في كتابه الاستشراق “في الأعمال الملفتة للنظر لهؤلاء المستشرقين، هناك تصور حول الإسلام جد مغرض، وكان كل مؤلف ينظر للإسلام كانعكاس لنقاط ضعفه”. أورد المؤرخ جون طولان في كتابه السراسين، (وهو اسم أخذه الكاتب من لقب أطلق على المسلمين مشتق من الكلمة اللاتينية sarrakenos وهي تحريف لكلمة الشرقيين)، حين رسم المؤلفون الأوربيون أسس البورتريهات المخصصة للإسلام، والتي تكررت عبر القرون، وتطورت وتم نشرها بشكل واسع لمصالح مختلفة ومن ضمنها أقوال لمفكرين وأدباء معروفين. ومن بينهم فيكتور هيغو الشاعر الفرنسي المعروف 1829 الذي جاء في مقدمة ديوانه “الشرقيات” قوله “لقد أصبح الشرق مصدر قلق عام” الذي حمله الأوربيون كثيراً من غاياتهم الخفية اتجاه الشرق، وفقا لما ذكرته الدراسة.
وتكمن خطورة هذه التصورات في فعاليتها وسهولة استغلالها لأنها من المسلمات الذهنية بسبب تكرارها في رسائل ظاهرها البراءة والفلكلورية.
بعد حرب الخليج الأولى أنتجت والت ديزني فيلم علاء الدين، وضمنته كل المبررات لجعل بلاد العرب تستحق التدمير
لم ينتبه العالم الإسلامي لخطورة قصص ألف ليلة وليلة، وعلي بابا والأربعين حرامياً، وغيرها، على اعتبار أنها من الأساطير التي لا تضر، لكنها في واقع الأمر ضرت كثيراً.
وأصبحت مثل هذه القصص الفولكلورية أساس الدعاية الاجتماعية ضد المسلمين، ما سماه مؤلف الكتاب بترسيخ” بيداغوجيا الحقد” في أذهان الأوربيين منذ أجيال.
أكدت برمجة الرسوم المتحركة بفرنسا كل المؤثرات السابقة لطروحات المستشرقين، والدعاية الاجتماعية ضد الإسلام والمسلمين، ووظفت كل ذلك التراث السيئ في كم هائل من أشرطة أفلام الكارتون.
كانت الرسوم المتحركة في السابق تعرض في الفترة الصباحية، لكن منذ عام 2000 بدأت القنوات الفرنسية بثها لتلك البرامج في الجزء الأول من فترة المساء.
تأثرت أغلب أفلام الرسوم المتحركة التي أنتجت للعرض للأطفال في فرنسا بطروحات السينما الهوليودية حول العرب والمسلمين وبعض أفلام الكارتون الأميركية دبلجت باللغة الفرنسية وتم عرضها.
ظهر العرب والمسلمون في أكثر من 300 فيلم هوليودي على أنهم مجموعة من قطاع الطرق والقتلة، مجبولون على الغباء والهوس الجنسي، مثلما أورد كتاب “العرب السيئون… كيف تشوه هوليود شعباً”؟ لجاك شاهين.
العالم الإسلامي لم ينتبه لخطورة قصص ألف ليلة وليلة، وعلي بابا والأربعين حرامياً، وغيرها، على اعتبار أنها من الأساطير التي لا تضر، لكنها في واقع الأمر ضرت كثيراً
في سنة 1992 أنتجت شركة والت ديزني فيلم الرسوم المتحركة علاء الدين، أي بعد حرب الخليج الأولى بسنة وضمنته كل المبررات التي تجعل من بلاد العرب بلاداً تستحق التدمير.
ويعبر أدوارد سعيد عن كل ذلك الإعلام المغرض عن الشرق بتسميته “شرقنة الشرق” وهي محاولات استباقية لاستغلال الصورة والنص الأدبي في آن واحد لتكوين ميثلوجيا عن الشرق تخالف الواقع الحقيقي. واستثمر صانعو أفلام الكارتون قصص ألف ليلة وليلة لصنع أفلام كرتون عن العرب والمسلمين خالقين صورة الشرق العجائبي التي تستر نزعات الاحتقار والعنصرية.
وفيها تجد عالماً مملوءاً بالسحرة ومروضي الثعابين، وسط صحراء يعيش فيها بدو متخلفون، يميلون إلى العنف ويعيشون من النهب والسرقة وتجارة العبيد.
وطابقت قصص علاء الدين والسندباد البحري وعلي بابا والأربعين حرامياً، وشهرزاد التي جعلوها في أفلام الكارتون تحمل دلالات نفسية وأيديولوجية، تطلعات المؤسسة الغربية. فهي رمز للمرأة الشرقية المغرية التي تعيش تحت سلطة رجل قاتل شرير، وهكذا رُسمت صورة المرأة العربية المسلمة في عقلية الغرب.
وهي تصوير مجسم للضحية المثالية في مقابل شهريار الرجل الشرقي الثري “مالك البترول” الشهواني، المرعب، وهذا ما يمكن أن نسميه بعقدة ألف ليلة وليلة كما يقول مؤلف الكتاب أمين صوصي علوي.
وساهم كل هذا في بناء أجيال من الفرنسيين يشعرون بالرعب وعدم الارتياح كلما جمعهم مكان عام بعربي، وهذا نابع من الصور النمطية، وتأثيرها على السلوك العام، وهي ملء لذاكرة الطفولة بصور لا تنسى عن العربي المسلم الوحش والبدائي.
عن صحيفة "العرب" اللندنية 16/07/2015http://www.alarab.co.uk/?id=57271