"ناجي العلي" و"حنظلة".. الخيط الرفيع بين الواقع والخيال
"ناجي العلي" و"حنظلة".. الخيط الرفيع بين الواقع والخيال دينا وادي &qu...
https://ar.toonsmag.com/2015/08/blog-post504545454545.html
"ناجي العلي" و"حنظلة".. الخيط الرفيع بين الواقع والخيال
دينا وادي
"ولد حنظلة في العاشرة في عمره، وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون في نفس عمره، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه؛ لأنه استثناء لن يتكرر بسهولة".هكذا قال "ناجي العلي" عن حنظلة، أحد أشهر الشخصيات الكارتونية في العالم العربي، والتي اخترعها "العلي" عام 1969؛ لتعبرعنه وعن أي فلسطيني يرفض الاحتلال، ويطالب بكامل التراب الفلسطيني دون مساومة.
اعتبر بعض المؤرخين "ناجي العلي" مفكرا سياسيا قبل أن يكون رسام كاريكاتير، حيث استخدم السخرية لتعبر عن الواقع السياسي المؤلم الذي يعيشه الفلسطينيون بل والعرب، ويعبر عن حالهم من خلال كوميديا سوداء لا حياد فيها، مستخدما اللونين الأبيض والأسود فقط دون باقي الألوان، ربما لتكون رسالته لنا "لا حياد"؛ إما هذا أو ذاك، إما العزة والكرامة أو الذل والهوان. توقع "العلي" الكثير في مسار القضية الفلسطينية مما حدث بالفعل بعد ذلك، مما يؤكد أنه مفكر سياسي أداته الريشة وليس القلم كما اعتدنا.
وُلد
"ناجي العلي" بين طبرية والناصرة؛ في قرية الشجرة في الجليل، عام 1937
تقريبا، أُخرج مع أهله من قريته بعد أن أتم عامه العاشر سنة 1948، وهاجروا
إلى مخيم عين الحلوة في لبنان؛ حيث شب وكبر وعيه ومعه حنينه إلى الوطن
والسنوات العشر المحفورين في ذاكرته. ولذلك كانت شخصية "حنظلة"، الطفل
الفلسطيني الذي ولد وعمره عشر سنوات، وظل على حاله بعد أن تركه والده واقفا
وحده، عاقدا يديه خلف ظهره الذي أداره للعالم، بعد عام 1973؛ وتغير
المواقف العربية تجاه القضية الفلسطينية.
يرسم "العلي" ولا يكتب أحجية، ولا يحرق بخورا. ريشته بمثابة مبضع جراح. اتهموه بالإنحياز، وهي تهمة لم ينفها "العلي" في إحدى أحاديثه الصحافية، فقال عن نفسه: "أنا لست محايدا، أنا منحاز لمن هم تحت". فلم يكن "العلي" محبا للون الرمادي.
كان "العلي" صبيا حين وصل إلى مخيم عين الحلوة مع أهله؛ زائغي الأعين، حفاة الأقدام. وكان يسمع الكبار يتحدثون ويذكرون الدول العربية، الإنجليز، المؤامرة، وغيرها من المترادفات التي شكلت وعيه السياسي. واحتفظت ذاكرته السمعية بصوت البكاء المكتوم، والتقط الحزن في عين أهله، وقال عن هذا: "أحسست برغبة جارفة في أن أرسم الوطن خطوطا عميقة على جدران المخيم، حيثما وجدت مساحة شاغرة، حفرا بالطباشير".
وظلت رسوم"ناجي العلي" على جدران المخيم، يزيدها من ذاكرته عن الوطن، ويسجل ما كان يراه محبوسا في الأعين، ثم انتقلت رسوماته إلى جدران سجون ثكنات الجيش اللبناني، حيث كان يقضي في ضيافتها فترات دورية إجبارية، ومنها إلى الأوراق، حتى جاء اليوم الذي زار فيه الأديب والصحافي الفلسطيني"غسان كنفاني" مخيم عين الحلوة، وشاهد رسوم "العلي"، فأخذها ونشرها في مجلة "الحرية"، وجاء بعدها أصدقاء الرسام الموهوب حاملين نسخ "الحرية"، مما شجع "العلي" أن يسلك هذا الدرب.
قدمه "العلي" للقراء، وأسماه "حنظلة" كرمز
للمرارة، قدمه في البداية كطفل فلسطيني، لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفق
كوني وإنساني. أما عن سبب إدارة ظهرة للقراء فتلك قصة تروى؛ ففي المراحل
الأولى رسم"ناجي العلي" حنظلة ملتقيا وجها لوجه مع الناس، وكان يحمل
الكلاشينكوف، دائم الحركة وفاعلا وله دور حقيقي، يناقشهم باللغة العربية
والإنجليزية، بل أكثر من ذلك، فقد كان يلعب الكاراتيه، ويغني، ويزجل،
ويصرخ، ويؤذن، ويهمس، ويبشر بالثورة.
إن شخصية حنظلة، كانت بمثابة أيقونة روح "ناجي العلي" التي تحميه من السقوط، والبوصلة التي تشير دائما إلى فلسطين.
كان من الطبيعي أن يبدأ قراء جريدة "السفير" كل صباح من الصفحة الأخيرة لمتابعة "حنظلة"، بالإضافة إلى "فاطمة" وزوجها "علي"؛ التي تنتمي إلى شخصيات "العلي" الشهيرة.
وفي يوم الأربعاء، 22 من يوليو عام 1987، وفي شارع إيفر في لندن، تقدم قاتل مأجور وأطلق الرصاص على "ناجي العلي" من مسدس كاتم للصوت، وقاوم "حنظلة/ ناجي" الموت حتى 29 أغسطس من نفس العام، وفي النهاية قرر الرحيل.
دفع "ناجي العلي" ثمن مبادئه، كان يعرف ذلك جيدا منذ اللحظة الأولى، ولهذا كان يقول: "اللي بدو يكتب عن فلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف إنه ميت، أنا مش ممكن أتخلى عن مبادئي ولو على قطع رقبتي".
عن موقع دوت مصر: http://old.dotmsr.com/ar/604/1/37104